يعتبر خروج لبنان من اللائحة الرماديّة "مشوار" طويل وليس بسهل أبداً، يتطلّب القيام بالكثير من الاصلاحات على عدّة أصعدة، منها المالية والأهمّ منها القضائية، وليس خافياً على أحد أن مجموعة العمل المالي FATF عندما تحدثت في تقريرها عن الاسباب التي دفعتها الى تخفيض تصنيف لبنان إشارة في نفس الوقت الى ضرورة أن يكون القضاء مستقلاً.

من يسمع هذا الكلام يتبادر الى ذهنه كلّ الحوادث التي حصلت سابقاً مع قضاة عديدين حققوا في أخطر ملفّ في الدولة اللبنانية، والذي جراءه تم تهريب المليارات الى الخارج، وهو ملف الاختلاس وتبييض الاموال المتهم به حاكم مصرف لبنان الاسبق رياض سلامة، وهم المحامي العام التمييزي السابق جان طنوس حين طلبت المصارف كفّ يده بعد أن طلب كشوفات حسابات منها وتمت تنحيته عن القضية، أو الى طلب كفّ يدّ مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون عن الملفات التي تحقق بها وتحديدا ملف التحويلات المتهم بها سلامة، أو الى جلسة استجواب سلامة بعد توقيفه في تموز الماضي حين طلبت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل بصفتها ممثلة عن الدولة الانضمام الى الجلسة، ولم يوافق قاضي التحقيق على طلبها وأخرجها في الوقت نفسه ووافق على حضور ممثل البنك المركزي.

نعم لبنان اليوم في مأزق كبير نتيجة تصنيفه على اللائحة الرمادية، ومجموعة العمل المالي أشارت في تقريرها الى خلل في المحاسبة يفتقر اليه الجسم القضائي. وتشير مصادر قضائية مطلعة عبر "النشرة" الى أنه "وإذا أراد لبنان عدم الوصول الى اللائحة السوداء عليها أولاً تعديل القوانين". وتلفت المصادر الى أنّ "أكبر دليل على أن القوانين غير نافعة، هي عدم وجود أحكام على تبييض أموال، فمنذ العام 2005 تاريخ وضع قانون مكافحة تبييض الاموال يوجد فقط سبعة أو ثمانية أحكام فهل هذا من المقبول"؟.

وتلفت المصادر القضائية الى أن "من يحقّق في تبييض الأموال هو هيئة التحقيق الخاصة والمدعي العام المالي الذي يصدر الاحكام هو عضو فيها". وتشير المصادر الى أن "لبنان أثبت فشله في القوانين المالية حيال التبييض وظهرت غير نافعة، لذا يجب تعديل القوانين ووضع هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان بأمرة القضاء اللبناني"، وتضيف المصادر: "اليوم لا يحصل ذلك، حيث يحقق قاض في ملف له علاقة بتبييض الأموال ويطلب من هيئة التحقيق معلومات لا تقوم بتسليمها".

لا تكتفي المصادر بالاشارة الى عمل هيئة التحقيق الخاصة بل ووضعها، وتذهب أبعد من ذلك، لتشدّد على ضرورة التعديل أيضاً في صلاحيات النيابات العامة. لافتة الى أنه "يجب وضع حدّ للحصرية التي يمتلكها المدعي العام المالي باتخاذ القرار بالتحقيق في ملف والملاحقة فيه، بالمختصر يجب إنهاء الصلاحيات الهرميّة في النيابات العامة ليكون هناك محاسبة لدى الجميع وليس استقلالية، أي منع إحتكار ممارسة القضاء".

كذلك تتطرّق المصادر الى قانون السريّة المصرفية، وتشير الى أنه "لم يتم تعديله بشكل ملائم وهو اليوم عائق أساسي أمام إصدار أحكام في قضايا تبييض الأموال"، وتعود المصادر الى "العام 2022 حين طلب القاضي جان طنوس من المصارف وقتذاك تسليم كشوفات الحسابات الخاصة برياض ورجا سلامة، يومها رُفِعت بوجهه ورقة السريّة المصرفية التي يتم التحجّج بها دائماً"، مؤكدة أن "عمليات التبييض تحصل والفاعل يستفيد من السريّة المصرفية، بما معناه أن كلّ عمليات غسل الأموال محميّة بالقانون".

رُبما قد يكون مسار المحاسبة القضائيّة وتعديل القوانين صعباً من أجل خروج لبنان من أزمته وعدم إدراجه على اللائحة السوداء، ولكن الأكيد أن البداية يجب أن تكون بإقتناع السلطة القضائيّة والسياسيين في الدولة أن الاستمرار على نفس النهج هو مستحيل...